فصل: (فَصْلٌ): (مَن لا يجوز الوقف عليه):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [مَن لا يجوز الوقف عليه]:

(وَلِأَبٍ خَاصَّةً) دُونَ أُمٍّ وَجَدٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمَنْعُ خُولِفَ فِي الْأَبِ؛ لِدَلَالَةِ النَّصِّ، وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ (حُرٌّ) كَامِلُ الْحُرِّيَّةِ (وَلَوْ) كَانَ الْأَبُ (غَيْرَ مُحْتَاجٍ) بِأَنْ كَانَ غَنِيًّا (تَمَلَّكَ مَا شَاءَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ) قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أَنَّ مَالَ الْوَلَدِ مِلْكٌ لَهُ دُونَ أَبِيهِ، قَالَ أَحْمَدُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ وَلَدِهِ رَبًّا (تَنْجِيزًا) لَا تَعْلِيقًا، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَمْنَعُ الِابْنُ الْأَبَ مَا أَرَادَ مِنْ مَالِهِ؛ فَهُوَ لَهُ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ؛ فَلِلْأَبِ التَّمَلُّكُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَعَ صِغَرِهِ وَكِبَرِهِ وَسُخْطِهِ وَرِضَاهُ وَبِعِلْمِهِ وَبِغَيْرِ عِلْمِهِ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ». وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّ أَبِي احْتَاجَ مَالِي فَقَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ». وَلِأَنَّ الْوَلَدَ مَوْهُوبٌ لِأَبِيهِ بِالنَّصِّ الْقَاطِعِ، وَمَا كَانَ مَوْهُوبًا لَهُ كَانَ لَهُ أَخْذُ مَالِهِ كَعَبْدِهِ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} الْآيَةَ ذَكَرَ الْأَقَارِبَ دُونَ الْأَوْلَادِ؛ لِدُخُولِهِمْ فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْ بُيُوتِكُمْ} لِأَنَّ بُيُوتَ أَوْلَادِهِمْ كَبُيُوتِهِمْ، وَلِأَنَّ الرَّجُلَ يَلِي مَالَ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَوْلِيَةٍ، فَكَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ كَمَالِ نَفْسِهِ (مَا لَمْ يَضُرَّهُ) أَيْ: يَضُرَّ الْأَبُ وَلَدَهُ بِمَا يَتَمَلَّكُهُ مِنْهُ، فَإِنْ أَضَرَّهُ بِأَنْ تَتَعَلَّقَ حَاجَةُ الْوَلَدِ بِهِ كَآلَةِ حِرْفَتِهِ وَنَحْوِهَا لَمْ يَتَمَلَّكْهُ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دَيْنِهِ، فَلَأَنْ تُقَدَّمَ عَلَى أَبِيهِ أَوْلَى، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ فِي الْوَلَدِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (أَوْ) إلَّا إذَا تَمَلَّكَهُ الْأَبُ (لِيُعْطِيَهُ لِوَلَدٍ آخَرَ) فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَخْصِيصِ [بَعْضِ وَلَدِهِ بِالْعَطِيَّةِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَلَأَنْ يُمْنَعَ مِنْ تَخْصِيصٍ] بِمَا أَخَذَهُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الْآخَرِ بِالْأَوْلَى (أَوْ) إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّمَلُّكُ (بِمَرَضِ مَوْتِ أَحَدِهِمَا) الْمَخُوفُ؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْإِرْثِ (أَوْ سُرِّيَّتُهُ) أَيْ: الْأَمَةُ الَّتِي وَطِئَهَا الْوَلَدُ؛ فَلَيْسَ لِأَبِيهِ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا (وَلَوْ لَمْ تَكُنْ) سُرِّيَّتُهُ (أُمَّ وَلَدٍ) لِلِابْنِ؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالزَّوْجَاتِ نَصًّا (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَصِحُّ التَّمَلُّكُ (مَعَ كُفْرِ أَبٍ وَإِسْلَامِ ابْنٍ) لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الِابْنُ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهُوَ حَسَنٌ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: قُلْت: وَهَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ انْتَهَى؛ لِحَدِيثِ: «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ».
(وَ) قَالَ الشَّيْخُ أَيْضًا (وَالْأَشْبَهُ أَنَّ) الْأَبَ (الْمُسْلِمَ لَا يَتَمَلَّكُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الْكَافِرِ) شَيْئًا؛ لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ وَالتَّوَارُثِ. (وَيَحْصُلُ تَمَلُّكُ) الْأَبِ لِمَالِ وَلَدِهِ (بِقَبْضِ) مَا تُمَلَّكَهُ نَصًّا (مَعَ قَوْلٍ) بِأَنْ يَقُولَ تَمَلَّكْتُهُ وَنَحْوَهُ (أَوْ نِيَّةٍ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَوْ قَرِينَةٌ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ غَيْرِهِ، فَاعْتُبِرَ الْقَوْلُ أَوْ النِّيَّةُ؛ لِيَتَعَيَّنَ وَجْهُ الْقَبْضِ (فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ) أَيْ الْأَبِ فِي مَالِ وَلَدِهِ (قَبْلَ قَبْضٍ) لِمَا تَمَلَّكَهُ (بِذَلِكَ) الْقَوْلِ أَوْ النِّيَّةِ (وَلَوْ) كَانَ تَصَرُّفُهُ (عِتْقًا) لِأَنَّ مِلْكَ الِابْنِ تَامٌّ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، وَيَحِلُّ لَهُ وَطْءُ جَوَارِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْمِلْكُ مُشْتَرَكًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْوَطْءُ كَمَا لَا يَجُوزُ وَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَإِنَّمَا لِلْأَبِ انْتِزَاعُهَا مِنْهُ كَالْعَيْنِ الَّتِي وَهَبَهَا إيَّاهُ (وَحَيْثُ تَمَلَّكَ) الْأَبُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ شَيْئًا (ثُمَّ انْفَسَخَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ) ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمَأْخُوذِ بِحَيْثُ صَارَ رَدُّهُ وَاجِبًا إلَى مَالِكِهِ الْأَوَّلِ (كَفَسْخِ مَبِيعٍ) بِأَنْ يَأْخُذَ الْأَبُ ثَمَنَ السِّلْعَةِ الَّتِي بَاعَهَا الْوَلَدُ، ثُمَّ تُرَدُّ السِّلْعَةُ، أَوْ يَأْخُذُ الْأَبُ الَّذِي اشْتَرَاهُ الْوَلَدُ ثُمَّ يُفْلِسُ الْوَلَدُ بِالثَّمَنِ، وَيَحْجُرُ عَلَيْهِ، وَيَفْسَخُ الْبَائِعُ لِذَلِكَ، أَوْ يَفْسَخُ لِبَائِعِ الْعَيْبِ الثَّمَنَ بَعْدَ أَخْذِ الْأَبِ الْمَبِيعِ مِنْ وَلَدِهِ (وَطَلَاقٍ) كَأَنْ يَأْخُذَ الْأَبُ صَدَاقَ ابْنَتِهِ، ثُمَّ يُطَلِّقُ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ عَلَى وَجْهٍ يُسْقِطُ الصَّدَاقَ (رَجَعَ مُسْتَحِقٌّ) فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ (عَلَى الْوَلَدِ خَاصَّةً) دُونَ الْأَبِ؛ لِطُرُوءِ ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى مَالٍ تَمَلَّكَهُ الْأَبُ تَمَلُّكًا تَامًّا مِنْ مَالِ وَلَدِهِ عَلَى وَجْهٍ يُبَاحُ لَهُ التَّمَلُّكُ فَلَمْ يَمْلِكْ الْمُسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ فِي حَالٍ كَانَ مَالِكًا لَهُ فِيهَا، فَكَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ الرُّجُوعُ عَلَى الْوَلَدِ لِتَلَفِ مَالِهِ تَحْتَ يَدِهِ (خِلَافًا لَهُ)- أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ- لِقَوْلِهِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ: فَالْأَقْوَى فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ أَنَّ لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَبِ. انْتَهَى.
وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا يَأْتِي فِي الصَّدَاقِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ عَلَى أَلْفٍ لَهَا وَأَلْفٍ لِأَبِيهَا أَنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ، وَأَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ مَعَ نِيَّةِ التَّمَلُّكِ، وَأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى وَجْهٍ يُسْقِطُهُ؛ رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا، لَا عَلَى أَبِيهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. (وَلَا يَمْلِكُ) الْأَبُ (إبْرَاءَ نَفْسِهِ) مِنْ دَيْنٍ لِوَلَدِهِ عَلَيْهِ، (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَمْلِكُ إبْرَاءَ (غَرِيمِ وَلَدِهِ) وَلَا تَمَلُّكُهُ مَا فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ، وَلَا تَمَلُّكُهُ مَا فِي ذِمَّةِ غَرِيمِ وَلَدِهِ (وَلَا) يَمْلِكُ (قَبْضَهُ)- أَيْ: دَيْنَ وَلَدِهِ- (مِنْهُ)- أَيْ: مِنْ غَرِيمِ وَلَدِهِ- وَلَا مِنْ نَفْسِهِ (لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَمْلِكُهُ)- أَيْ: الدَّيْنَ- (إلَّا بِقَبْضِهِ) مِنْ غَرِيمِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِدَيْنٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ. (وَلَوْ أَقَرَّ أَبٌ بِقَبْضِهِ)- أَيْ: دَيْنِ وَلَدِهِ- مِنْ غَرِيمِهِ (وَأَنْكَرَ وَلَدٌ) أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ قَبَضَ (أَوْ صَدَقَ) غَرِيمَهُ بِدَعْوَاهُ قَبْضَ الْأَبِ؛ رَجَعَ الْوَلَدُ عَلَى غَرِيمِهِ (خِلَافًا لِ) مَا يُفْهَمُ مِنْ ( الْمُنْتَهَى ) الْقَائِلُ: وَلَوْ أَقَرَّ الْأَبُ بِقَبْضِهِ، وَأَنْكَرَ الْوَلَدُ؛ رَجَعَ عَلَى غَرِيمِهِ، وَلَمْ يَقُلْ أَوْ صَدَقَ. فَاقْتِصَارُهُ عَلَى إنْكَارِ الْوَلَدِ مُشْعِرٌ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ عَلَى الْوَلَدِ مَعَ تَصْدِيقِهِ الْغَرِيمَ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إذَا أَنْكَرَ الْوَلَدُ أَوْ صَدَقَ (رَجَعَ) الْوَلَدُ (عَلَى غَرِيمِهِ) بِدَيْنِهِ؛ لِعَدَمِ بَرَاءَتِهِ بِالدَّفْعِ إلَى أَبِيهِ وَتَصْدِيقِهِ بِقَبْضِ أَبِيهِ لَا يَتَضَمَّنُ إذْنَ أَبِيهِ فِي قَبْضِهِ؛ فَهُوَ قَبْضٌ فَاسِدٌ خَالٍ عَنْ مُسَوِّغٍ شَرْعِيِّ (وَ) رَجَعَ (الْغَرِيمُ عَلَى الْأَبِ) بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَبِبَدَلِهِ إنْ كَانَ تَالِفًا؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَا لَيْسَ لَهُ قَبْضُهُ، لَا بِوِلَايَةٍ وَلَا بِوَكَالَةٍ. فَقَوْلُ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ مُهَنَّا: وَلَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ دَيْنِ ابْنِهِ، فَأَنْكَرَ رَجَعَ عَلَى غَرِيمِهِ وَهُوَ الْأَبُ لَا يُعَوَّلُ عَلَى مَفْهُومِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ سَائِلٍ؛ فَلَا يُحْتَجُّ بِمَفْهُومِهِ. (وَإِنْ أَوَلَدَ) أَبٌ (قَبْلَ تَمَلُّكِ جَارِيَةٍ لِوَلَدِهِ لَمْ يَطَأْهَا) الِابْنُ (صَارَتْ لَهُ) أَيْ: الْأَبِ- (أُمَّ وَلَدٍ) لِأَنَّ إحْبَالَهُ لَهَا يُوجِبُ نَقْلَ الْمِلْكِ إلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْوَطْءُ مُصَادِفًا لَلْمِلْكِ، فَإِنْ لَمْ تَحْبَلْ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْوَلَدِ (وَوَلَدُهُ)- أَيْ: الْأَبِ مِنْ أَمَةِ وَلَدِهِ- (حُرٌّ) لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءٍ انْتَفَى فِيهِ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ (لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ) لِوَلَدِهِ رَبِّ الْجَارِيَةِ الَّتِي انْتَقَلَ مِلْكُهَا إلَيْهِ لِعُلُوقِهَا؛ فَهِيَ إنَّمَا أَتَتْ بِهِ فِي مِلْكِ الْأَبِ (وَلَا) يَلْزَمُهُ (مَهْرٌ) لِأَنَّ الْوَطْءَ سَبَبُ نَقْلِ الْمِلْكِ فِيهَا وَإِيجَابِ الْقِيمَةِ لِلْوَلَدِ، وَالْوَطْءُ الْمُوجِبُ لِلْقِيمَةِ كَالْإِتْلَافِ، فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ الْمَهْرُ، (وَلَا حَدَّ) عَلَى أَبٍ بِوَطْءِ أَمَةِ وَلَدِهِ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ؛ لِحَدِيثِ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ». (وَيُعَزَّرُ) الْأَبُ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ وَطْئًا مُحَرَّمًا، أَشْبَهَ وَطْءَ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ (وَعَلَيْهِ)- أَيْ: الْأَبِ- بِإِحْبَالِهِ جَارِيَةَ وَلَدِهِ (قِيمَتُهَا) لِوَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا عَلَيْهِ، لَكِنْ لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةٌ بِهَا، وَمَحَلُّ انْتِقَالِ الْمِلْكِ فِيهَا لِلْأَبِ إنْ لَمْ يَكُنْ الِابْنُ وَطِئَهَا؛ لِأَنَّهَا بِالْوَطْءِ تَصِيرُ كَحَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ، فَتُحَرَّمُ عَلَى الْأَبِ، وَلَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِيهَا إنْ كَانَ الِابْنُ اسْتَوْلَدَهَا، فَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ؛ إذْ أُمُّ الْوَلَدِ لَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِيهَا. (وَإِنْ كَانَ الِابْنُ وَطِئَهَا) وَلَوْ لَمْ يَسْتَوْلِدْهَا (لَمْ تَنْتَقِلْ) الْجَارِيَةُ (لِمِلْكِ أَبٍ) بِالْإِحْبَالِ (فَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ)- أَيْ: الْأَبِ- إنْ حَمَلَتْ مِنْهُ نَصًّا؛ لِأَنَّهَا بِالْوَطْءِ صَارَتْ مُلْحَقَةً بِالزَّوْجَةِ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِالْقَوْلِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَا يَمْلِكُهَا بِالْإِحْبَالِ (وَلَا حَدَّ) عَلَى الْأَبِ، لِلشُّبْهَةِ (وَوَلَدُهُ حُرٌّ) لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَتُحَرَّمُ عَلَيْهِمَا عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَوْطُوءَاتِ ابْنِهِ، وَعَلَى الِابْنِ؛ لِأَنَّهَا مَوْطُوءَةُ أَبِيهِ. (وَمَنْ اسْتَوْلَدَ أَمَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) إنْ حَمَلَتْ مِنْهُ (وَوَلَدُهُ قِنٌّ، وَحُدَّ بِشَرْطِهِ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ لَيْسَ لَهُ التَّمَلُّكُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَبَوَيْهِ، فَلَا شُبْهَةَ لَهُ فِي الْوَطْءِ، لَا يُقَالُ إنَّهُ رَحِمٌ لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ، فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْأَبِ، (وَلَيْسَ لِوَلَدِ صُلْبٍ وَلَا لِوَرَثَتِهِ)- أَيْ: الْوَلَدِ- (مُطَالَبَةَ أَبٍ).
قَالَ فِي الْمُوجَزِ: (فَلَا يَمْلِكُ) الْوَلَدُ (إحْضَارَهُ)- أَيْ: الْأَبِ- (لِمَجْلِسِ حُكْمٍ بَ) سَبَبِ (دَيْنٍ) كَقَرْضٍ وَثَمَنِ مَبِيعٍ (أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ) كَثَوْبٍ وَنَحْوِهِ حَرَقَهُ لِوَلَدِهِ (أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ) عَلَى وَلَدِهِ كَقَلْعِ سِنٍّ وَقَطْعِ طَرَفٍ (وَلَا) بِشَيْءٍ (غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لِلِابْنِ عَلَيْهِ) كَأُجْرَةِ أَرْضٍ وَزَرْعِهَا أَوْ دَارٍ سَكَنَهَا؛ لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِيهِ يَقْتَضِيهِ دَيْنًا عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ». وَلِأَنَّ الْمَالَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْحُقُوقِ، فَلَمْ يَمْلِكْ مُطَالَبَةَ أَبِيهِ كَحُقُوقِ الْأَبْدَانِ، وَلَا لِلِابْنِ أَنْ يُحِيلَ عَلَى أَبِيهِ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ طَلَبَهُ بِهِ، فَلَا يَمْلِكُ الْحَوَالَةَ عَلَيْهِ (إلَّا بِنَفَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ) عَلَى الْأَبِ؛ لِفَقْرِ الِابْنِ وَعَجْزِهِ عَنْ التَّكَسُّبِ، فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهَا. زَادَ فِي الْوَجِيز: (وَيَحْبِسُهُ هُوَ عَلَيْهَا) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِهِنْدَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ». وَلِلْوَلَدِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ (بِعَيْنِ مَالٍ لَهُ)- أَيْ: الْوَلَدِ- (بِيَدِهِ)- أَيْ: الْأَبِ، وَيَجْرِي الرِّبَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ لِتَمَامِ مِلْكِ الْوَلَدِ عَلَى مَالِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ-، وَوُجُوبِ زَكَاتِهِ عَلَيْهِ وَحَلَّ الْوَطْءُ وَتَوْرِيثُ وَرَثَتِهِ. وَحَدِيثُ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ». عَلَى مَعْنَى سَلْطَنَةِ التَّمَلُّكِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إضَافَةُ الْمَالِ لِلْوَلَدِ (لَكِنْ يَثْبُتُ لَهُ)- أَيْ: الْوَلَدِ- (فِي ذِمَّةِ وَالِدِهِ دَيْنٌ) مِنْ ثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةٍ أَوْ قَرْضٍ (وَقِيمَةُ مُتْلَفٍ) إعْمَالًا لِلسَّبَبِ، فَإِنَّ مِلْكَ الْوَلَدِ تَامٌّ، وَالسَّبَبُ إمَّا إتْلَافٌ فَلِمَالِ الْغَيْرِ وَإِمَّا قَرْضٌ وَنَحْوُهُ فَعَقْدٌ يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}. (فَلَا يَسْقُطُ) دَيْنُ الْوَلَدِ الثَّابِتُ لَهُ فِي ذِمَّةِ أَبِيهِ (بِمَوْتِهِ)- أَيْ: الْأَبِ- (فَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ) مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ (وَكَذَا) لَا يَسْقُطُ (أَرْشُ جِنَايَةٍ) مِنْ الْأَبِ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى مَالِ الْوَلَدِ أَوْ نَفْسِهِ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَمْلِكُ إحْضَارَ أَبِيهِ لِمَجْلِسِ حُكْمٍ بِدَيْنٍ أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ، وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لِلِابْنِ عَلَيْهِ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ مِلْكِهِ الْمُطَالَبَةُ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ سُقُوطَ حَقِّهِ عَنْهُ مَا دَامَ حَيًّا، وَتَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِيمَا لَوْ وَفَّاهُ وَالِدُهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لَا يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ، بَلْ يَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا يَأْتِي. (لَكِنْ يَسْقُطُ) أَرْشُ الْجِنَايَةِ (بِمَوْتِهِ)- أَيْ: الْأَبِ- فَلَا يَرْجِعُ بِهِ فِي تِرْكَتِهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَيْنِ الْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِمَا كَوْنُ الْأَبِ أَخَذَ عَنْ هَذَا عِوَضًا، بِخِلَافِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ (وَ) عَلَى هَذَا (يَنْبَغِي) أَنْ يَكُونَ (مِثْلَهُ دَيْنُ ضَمَانٍ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَسْقُطُ عَنْ الْوَالِدِ دَيْنُ الضَّمَانِ إذَا ضَمِنَ غَرِيمٌ وَلَدَهُ لَهُ (وَمَا قَضَاهُ أَبٌ مِنْ ذَلِكَ) الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ لِوَلَدِهِ (فِي مَرَضِهِ)- أَيْ: الْأَبِ- (أَوْ وَصِيِّ) الْأَبِ (بِقَضَائِهِ) مِنْ دَيْنِ وَلَدِهِ، قَالَ شَيْخُنَا أَحْمَدُ: أَوْ أُرُوشِ جِنَايَةٍ وَغَيْرِهَا (فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ) لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ عَلَيْهِ لَا تُهْمَةَ فِيهِ، فَكَانَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَدَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ، وَلِوَلَدِ الْوَلَدِ مُطَالَبَةُ جَدِّهِ بِمَالِهِ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ دَيْنٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَغَيْرِهَا كَسَائِرِ الْأَقَارِبِ إنْ لَمْ يَكُنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ أَبِيهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِوَرَثَةِ الْوَلَدِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنِهِ، وَكَذَا الْأُمُّ تُطَالَبُ بِدَيْنِ وَلَدِهَا. (وَمَا) (وَجَدَهُ ابْنٌ بَعْدَ مَوْتِ أَبٍ) فِي تِرْكَتِهِ (مِنْ عَيْنِ مَالِهِ)- أَيْ: الِابْنِ- (الَّذِي أَقْرَضَهُ) لِأَبِيهِ (أَوْ بَاعَهُ) لَهُ (أَوْ غَصَبَهُ) الْأَبُ مِنْهُ (فَلَهُ)- أَيْ: الِابْنِ- (أَخْذُهُ)- أَيْ: مَا وَجَدَ مِنْ عَيْنِ مَالِهِ- دُونَ بَقِيَّةِ وَرَثَةِ الْأَبِ (إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ دَفَعَ) لِوَلَدِهِ (ثَمَنَهُ) لِتَعَذُّرِ الْعِوَضِ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَلَا يَكُونُ مَا وَجَدَ مِنْ عَيْنِ مَالِ الْوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ مِيرَاثًا لِوَرَثَةِ الْأَبِ، بَلْ هُوَ لِلْوَلَدِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ، دُونَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ.

.(فَصْلٌ): فِي عَطِيَّةِ الْمَرِيضِ وَمُحَابَاتِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ:

(وَعَطِيَّةُ مَرِيضٍ، وَهِيَ هِبَتُهُ فِي) مَرَضٍ (غَيْرِ مَرَضِ الْمَوْتِ وَلَوْ) كَانَ الْمَرَضُ (مَخُوفًا) كَصَحِيحٍ (أَوْ) كَانَ مَرَضُهُ (غَيْرَ مَخُوفٍ كَصُدَاعٍ)- أَيْ: وَجَعِ رَأْسٍ- وَرَمَدٍ وَ(وَجَعِ ضِرْسٍ) وَجَرَبٍ (وَحُمَّى) سَاعَةٍ أَوْ (يَوْمٍ وَإِسْهَالِ سَاعَةٍ بِلَا دَمٍ وَلَوْ صَارَ) الْمَرَضُ (مَخُوفًا وَمَاتَ بِهِ فَ) عَطِيَّتُهُ (كَصَحِيحٍ فَتَصِحُّ) عَطِيَّتُهُ (فِي كُلِّ مَالِهِ) لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الصِّحَّةِ؛ لِكَوْنِهِ لَا يُخَافُ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ وَكَمَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا وَبَرِئَ، وَأَمَّا الْإِسْهَالُ فَإِنْ كَانَ مُنْحَرِفًا لَا يُمْكِنُهُ مَنْعُهُ وَلَا إمْسَاكُهُ؛ فَهُوَ مَخُوفٌ- وَإِنْ كَانَ سَاعَةً- لِأَنَّ مَنْ لَحِقَهُ ذَلِكَ أَسْرَعَ فِي هَلَاكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْحَرِفًا، لَكِنَّهُ يَكُونُ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مِنْ فَضْلَةِ الطَّعَامِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ زَحِيرٌ وَتَقْطِيعٌ؛ كَأَنْ يَخْرُجَ مُتَقَطِّعًا؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَخُوفًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُضْعِفُ، وَإِنْ دَامَ الْإِسْهَالُ فَهُوَ مَخُوفٌ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ زَحِيرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَمَا أَشْكَلَ أَمْرُهُ مِنْ الْأَمْرَاضِ رُجِعَ فِيهِ إلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَهُمْ الْأَطِبَّاءُ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ وَالتَّجْرِبَةِ وَالْمَعْرِفَةِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي.
(وَ) عَطِيَّةُ مَرِيضٍ (فِي مَرَضٍ مَخُوفٍ كَبِرْسَامٍ)- بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ- بُخَارٌ يَرْتَقِي إلَى الرَّأْسِ، وَيُؤَثِّرُ فِي الدِّمَاغِ، فَيَخْتَلُّ الْعَقْلُ بِهِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: هُوَ وَرَمٌ فِي الدِّمَاغِ يَتَغَيَّرُ مِنْهُ عَقْلُ الْإِنْسَانِ وَيَهْذِي. (وَذَاتِ جَنْبٍ)- قُرُوحٌ بِبَاطِنِ الْجَنْبِ- (وَوَجَعِ رِئَةٍ) فَإِنَّهَا لَا تَسْكُنُ حَرَكَتُهَا فَلَا يَنْدَمِلُ جُرْحُهَا (وَ) وَجَعُ- (قَلْبٍ وَرُعَافٍ دَائِمٍ) لِأَنَّهُ يُصَفِّي الدَّمَ فَتَذْهَبُ الْقُوَّةُ (وَقِيَامِ مُتَدَارِكٍ)- وَهُوَ الْإِسْهَالُ الْمُتَوَاتِرُ الَّذِي لَا يَسْتَمْسِكُ- (أَوْ) إسْهَالٍ (مَعَهُ دَمٌ) لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الْقُوَّةَ (وَ) مِنْ الْمَخُوفِ (كَفَالِجٍ)- وَهُوَ اسْتِرْخَاءٌ لِأَحَدِ شِقَّيْ الْبَدَنِ لِانْصِبَابِ خَلْطٍ بَلْغَمِيٍّ تَفْسُدُ مِنْهُ مَسَالِكُ الرُّوحِ- (فِي ابْتِدَاءِ) هـ (وَالسِّلُّ)- بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ دَاءٌ مَعْرُوفٌ (فِي انْتِهَاءِ) هـ (أَوْ هَاجَ بِهِ بَلْغَمٌ) لِأَنَّهُ مِنْ شِدَّةِ الْبُرُودَةِ، وَقَدْ يَغْلِبُ عَلَى الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ، فَيُطْفِئُهَا (أَوْ) هَاجَتْ بِهِ (صَفْرَاءُ) لِأَنَّهَا تُورِثُ يُبُوسَةً (أَوْ) هَاجَ بِهِ (قُولَنْجُ)- وَهُوَ أَنْ يَنْعَقِدَ الطَّعَامُ فِي بَعْضِ الْأَمْعَاءِ وَلَا يَنْزِلُ عَنْهُ- أَوْ هَاجَتْ بِهِ (حُمَّى مُطْبَقَةٌ) فَهَذِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِمُفْرَدِهِ مَخُوفٌ، وَمَعَ الْحُمَّى أَشَدُّ خَوْفًا، إنْ ثَاوَرَهُ الدَّمُ وَاجْتَمَعَ فِي عُضْوٍ كَانَ مَخُوفًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَرَارَةِ الْمُفْرِطَةِ (وَمَا قَالَهُ عَدْلَانِ) لَا وَاحِدٌ وَلَوْ عَدِمَ غَيْرَهُ (مُسْلِمَانِ مِنْ أَهْلِ الطِّبِّ) عِنْدَ إشْكَالِ الْمَرَضِ (أَنَّهُ مَخُوفٌ).
قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: لَيْسَ مَعْنَى الْمَرَضِ الْمَخُوفِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الْقَلْبِ الْمَوْتُ مِنْهُ، أَوْ يَتَسَاوَى فِي الظَّنِّ جَانِبُ الْبَقَاءِ وَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا جَعَلُوا ضَرْبَ الْمَخَاضِ مِنْ الْأَمْرَاضِ الْمَخُوفَةِ، وَلَيْسَ الْهَلَاكُ غَالِبًا وَلَا مُسَاوِيًا لِلسَّلَامَةِ وَإِنَّمَا الْمَرَضُ إنَّمَا يَكُونُ سَبَبًا صَالِحًا لِلْمَوْتِ، فَيُضَافُ إلَيْهِ، وَيَجُوزُ حُدُوثُهُ عِنْدَهُ، وَأَقْرَبُ مَا يُقَالُ مَا يَكْثُرُ حُصُولُ الْمَوْتِ مِنْهُ (فـَ) عَطَايَاهُ (كَوَصِيَّةٍ) فِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِوَارِثٍ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْوَقْفِ لِلثُّلُثِ فَأَقَلَّ، وَلَا لِأَجْنَبِيٍّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فِيهِمَا؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ: «إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. فَمَفْهُومُهُ لَيْسَ لَكُمْ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُمْ، فَاسْتَدْعَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ الْعِتْقُ مَعَ سِرَايَتِهِ؛ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَ الظَّاهِرُ مِنْهَا الْمَوْتُ، فَكَانَتْ عَطِيَّتُهُ فِيهَا فِي حَقِّ وَرَثَةٍ لَا تَتَجَاوَزُ الثُّلُثَ كَالْوَصِيَّةِ (غَيْرَ أَنَّهُ يَنْفُذُ ظَاهِرًا فِي الْجَمِيعِ)- أَيْ: جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ- عَلَى مَا (قَالَهُ الْقَاضِي).
قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: ذَكَرَ الْقَاضِي الْمَوْهُوبُ لَهُ يَقْبِضُ الْهِبَةَ، وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا مَعَ كَوْنِهَا مَوْقُوفَةً عَلَى الْإِجَازَةِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ تَسْلِيمَ الْمَوْهُوبِ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ يَذْهَبُ حَيْثُ يَشَاءُ وَإِرْسَالُ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ أَوْ إرْسَالُ الْمُحَابَاةِ لَا يَجُوزُ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُوقَفَ أَمْرُ التَّبَرُّعَاتِ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ الْوَارِثُ مِنْ رَدِّهَا بَعْدَ الْمَوْتِ إذَا شَاءَ. (وَلَوْ) كَانَتْ عَطِيَّتُهُ (عِتْقًا) لِبَعْضِ أَرِقَّائِهِ (أَوْ) كَانَتْ عَطِيَّتُهُ (عَفْوًا عَنْ جِنَايَةٍ تُوجِبُ مَالًا أَوْ) كَانَتْ عَطِيَّتُهُ (مُحَابَاةً فِي نَحْوِ بَيْعٍ) كَإِجَارَةٍ وَالْمُحَابَاةُ أَنْ يُسَامِحَ أَحَدُ الْمُتَعَاوِضَيْنِ الْآخَرَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ بِبَعْضِ مَا يُقَابِلُ الْعِوَضَ؛ كَأَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِثَمَانِيَةٍ، أَوْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي ثَمَانِيَةً بِعَشَرَةٍ؛ فَهِيَ كَوَصِيَّةٍ فِي الْجَمِيعِ (لَا) إنْ كَانَ الصَّادِرُ مِنْ الْمَرِيضِ (كِتَابَةً) لِرَقِيقِهِ أَوْ بَعْضِهِ بِمُحَابَاةٍ (أَوْ) كَانَ (وَصِيَّتُهُ بِهَا)- أَيْ: كِتَابَتِهِ (بِمُحَابَاةٍ) فَالْمُحَابَاةُ فِيهِمَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْإِنْصَافِ وَفِي التَّنْقِيحِ وَالْمُنْتَهَ100. لَكِنَّ كَلَامَ الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَصِحُّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ هُوَ الْكِتَابَةُ نَفْسُهَا؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ مِنْ الْغَيْرِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَدْ ذَكَرْته لَك فَوَقَعَ الِاشْتِبَاهُ عَلَى صَاحِبِ الْإِنْصَافِ وَالتَّنْقِيحِ وَتَبِعَهُ مِنْ تَبِعَهُ، وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ. انْتَهَى.
(وَمَعَ إطْلَاقٍ) أَيْ: إذْ وَصَّى السَّيِّدُ أَنْ يُكَاتَبَ عَبْدُهُ فُلَانٌ، وَأَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ عَلَى كَذَا (فـَ) إنَّهُ يُكَاتَبُ (بِقِيمَتِهِ)- أَيْ: بِقَدْرِ مَا يُسَاوِي ذَلِكَ الْعَبْدُ- جَمْعًا بَيْنَ حَقِّ الْوَرَثَةِ وَحَقِّهِ، فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَطْلُبَ الْكِتَابَةَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَلَا لِلْعَبْدِ أَنْ يَطْلُبَ الْكِتَابَةَ بِأَقَلَّ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا.
تَتِمَّةٌ:
وَيَنْفُذُ الْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فِي الْحَالِ، وَيُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْعِتْقِ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، لَا حِينَ الْعِتْقِ، فَلَوْ عَتَقَ فِي مَرَضِهِ الْمَخُوفِ أَمَةً تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ حَالَ الْعِتْقِ؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَلَا تُعْتَقُ كُلُّهَا إلَّا أَنْ يَصِحَّ الْمَرِيضُ مِنْ مَرَضِهِ، فَيَصِحُّ تَزَوُّجُهَا لِنُفُوذِ الْعِتْقِ قَطْعًا، لَكِنْ لَوْ تَزَوَّجَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَحَّ وَوَرِثَتْ مِنْهُ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ: وَإِنْ أَعْتَقَ أَمَةً لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا ثُمَّ وَطِئَهَا وَمَهْرُ مِثْلِهَا نِصْفُ قِيمَتِهَا فَكَمَا لَوْ كَسَبَتْهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ، فَتَنَبَّهْ لَهُ. وَإِنْ وَهَبَ الْمَرِيضُ أَمَةً حَرُمَ عَلَى الْمُتَّهِبِ وَطْؤُهَا حَتَّى يَبْرَأَ الْوَاهِبُ أَوْ يَمُوتَ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ. (وَالْأَمْرَاضُ الْمُمْتَدَّةُ كَسُلٍّ ابْتِدَاءً) لَا فِي حَالَةِ الِانْتِهَاءِ (وَجُذَامٍ) وَحُمَّى الرِّبْعِ- وَهِيَ الَّتِي تَأْخُذُ يَوْمًا وَتَذْهَبُ يَوْمَيْنِ وَتَعُودُ فِي الرَّابِعِ- (وَفَالِجٍ انْتِهَاءً) وَحُمَّى الْغِبِّ (وَهَرَمٍ) إنْ صَارَ صَاحِبُهَا ذَا فِرَاشٍ (فَ هِيَ مَخُوفَةٌ، وَإِلَّا) يَصِرْ صَاحِبُهَا ذَا فِرَاشٍ، بَلْ كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ (فَلَا) تَكُونُ مَخُوفَةً وَعَطَايَاهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ كَعَطَايَا الصَّحِيحِ.
قَالَ الْقَاضِي: هَذَا تَحْقِيقُ الْمَذْهَبِ فِيهِمْ، وَمَا رَوَاهُ حَرْبٌ عَنْ أَحْمَدَ فِي وَصِيَّةِ الْمَجْذُومِ وَالْمَفْلُوجِ مِنْ الثُّلُثِ؛ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمَا صَارَا صَاحِبَا فِرَاشٍ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْفِرَاشِ يَخْشَى تَلَفَهُ، أَشْبَهَ صَاحِبَ الْحُمَّى الدَّائِمَةَ. (وَكَمَرِيضِ مَرَضِ مَوْتٍ مَخُوفٍ مَنْ) كَانَ (بَيْنَ الصَّفَّيْنِ وَقْتَ الْتِحَامِ حَرْبٍ) هُوَ فِيهِ وَاخْتَلَطَتْ الطَّائِفَتَانِ لِلْقِتَالِ، وَسَوَاءٌ كَانَتَا مُتَّفِقَتَيْنِ فِي الدِّينِ أَوْ لَا؛ لِوُجُودِ خَوْفِ التَّلَفِ (مَعَ مُكَافَأَةٍ) بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُكَافِئًا لِلْأُخْرَى (أَوْ) كَانَ الْمُعْطِي (مِنْ الطَّائِفَةِ الْمَقْهُورَةِ) لِأَنَّ تَوَقُّعَ التَّلَفِ هُنَا كَتَوَقُّعِ الْمَرِيضِ أَوْ أَكْثَرَ، فَوَجَبَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ (لَا) إنْ كَانَ الْمُعْطِي مِنْ الطَّائِفَةِ (الْقَاهِرَةِ) بَعْدَ ظُهُورِهَا، أَوْ كَانَ مِنْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ اخْتِلَاطٍ لِلْحَرْبِ، سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا رَمْيُ سِهَامٍ أَوْ لَا، فَلَيْسَ حَالُهُ بِمَنْزِلَةِ مَرَضٍ مَخُوفٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّعُ التَّلَفَ قَرِيبًا. (وَمَنْ) كَانَ (بِلُجَّةِ) الْبَحْرِ (عِنْدَ الْهَيَجَانِ) أَيْ: ثَوَرَانِ الْبَحْرِ- بِهُبُوبِ الرِّيحِ الْعَاصِفِ، فَكَمَرَضٍ مَخُوفٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ هَذِهِ الْحَالَةَ بِشِدَّةِ الْخَوْفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ}: (أَوْ وَقَعَ طَاعُونٌ).
قَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ: هُوَ الْمَرَضُ الْعَامُّ وَالْوَبَاءُ الَّذِي يَفْسُدُ لَهُ الْهَوَاءُ فَتَفْسُدُ بِهِ الْأَمْزِجَةَ وَالْأَبْدَانَ. وَقَالَ عِيَاضٌ: هُوَ قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الْمَغَابِنِ وَغَيْرِهَا لَا يَلْبَثُ صَاحِبُهَا، وَتَعُمُّ إذَا ظَهَرَتْ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَأَمَّا الطَّاعُونُ فَوَبَاءٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ بَثْرٌ وَوَرَمٌ مُؤْلِمٌ جِدًّا يَخْرُجُ مَعَ لَهَبٍ، وَيُسَوِّدُ مَا حَوْلَهُ، وَيَخْضَرُّ وَيَحْمَرُّ حُمْرَةً بَنَفْسَجِيَّةً، وَيَحْصُلُ مَعَهُ خَفَقَانٌ لِلْقَلْبِ (بِبَلَدِهِ) أَيْ: الْمُعْطِي- قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَخُوفٌ، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كَوْنِ الطَّاعُونِ وَخْزَ أَعْدَائِنَا الْجِنِّ حِكْمَةً بَالِغَةً، فَإِنَّ أَعْدَاءَنَا شَيَاطِينُهُمْ، وَأَمَّا أَهْلُ الطَّاعَةِ مِنْهُمْ؛ فَهُمْ إخْوَانُنَا، وَاَللَّهُ أَمَرَنَا بِمُعَادَاةِ أَعْدَائِنَا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَأَنْ نُحَارِبَهُمْ طَلَبًا لِمَرْضَاتِهِ، فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إلَّا مُسَالَمَتَهُمْ وَمُوَالَاتَهُمْ، فَسَلَّطَهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عُقُوبَةً لَهُمْ حَيْثُ اسْتَجَابُوا لَهُمْ حَتَّى أَغْوَوْهُمْ وَأَمَرُوهُمْ بِالْمَعَاصِي وَالْفُجُورِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، فَأَطَاعُوهُمْ، فَاقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ أَنْ سَلَّطَهُمْ عَلَيْهِمْ بِالطَّعْنِ فِيهِمْ كَمَا سَلَّطَ عَلَيْهِمْ أَعْدَاءَهُمْ مِنْ الْإِنْسِ حَيْثُ أَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ، وَنَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، فَهَذِهِ مَلْحَمَةٌ مِنْ الْإِنْسِ، وَالطَّاعُونُ مَلْحَمَةٌ مِنْ الْجِنِّ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِتَسْلِيطِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ عُقُوبَةً لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ، وَشَهَادَةً وَرَحْمَةً لِمَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهَا، وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعُقُوبَاتِ تَقَعُ عَامَّةً؛ فَتَكُونُ طُهْرًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَانْتِقَامًا مِنْ الْفَاجِرِينَ انْتَهَى.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ أَنَّهُ وَخْزُ أَعْدَائِنَا مِنْ الْجِنِّ. أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الطَّوَاعِينَ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَنَاءُ أُمَّتِي بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ. قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الطَّعْنُ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُونُ؟ قَالَ وَخْزُ أَعْدَائِكُمْ الْجِنَّ وَفِي كُلٍّ شَهَادَةٌ».
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الطَّعْنُ: الْقَتْلُ بِالرُّمْحِ، وَالْوَخْزُ طَعْنٌ بِلَا نَفَاذٍ، فَبِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ ظَهَرَ بُطْلَانُ قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ إنَّ الطَّاعُونَ مَادَّةٌ سُمِّيَّةٌ تُحْدِثُ وَرَمًا قَتَّالًا، وَأَنَّ سَبَبَهُ فَسَادُ جَوْهَرِ الْهَوَاءِ، وَقَدْ أَبْطَلَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ قَوْلَ الْأَطِبَّاءِ هَذَا بِوُجُوهٍ: مِنْهَا وُقُوعُهُ فِي أَعْدَلِ الْفُصُولِ وَفِي أَصَحِّ الْبِلَادِ هَوَاءً وَأَطْيَبِهَا مَاءً، وَمِنْهَا لَوْ كَانَ مِنْ الْهَوَاءِ لَعَمَّ النَّاسَ وَالْحَيَوَانَ، وَنَحْنُ نَجِدُ الْكَثِيرَ مِنْ النَّاسِ وَالْحَيَوَانِ يُصِيبُهُ الطَّاعُونُ، وَبِجَانِبِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَمَنْ يُشَابِهُ مِزَاجَهُ مَنْ لَمْ يُصِبْهُ وَقَدْ يَأْخُذُ أَهْلَ الْبَيْتِ بِأَجْمَعِهِمْ، وَلَا يَدْخُلُ بَيْتًا يُجَاوِرُهُمْ أَصْلًا، وَيَدْخُلُ بَيْتًا فَلَا يُصَابُ مِنْهُ إلَّا الْبَعْضُ، وَرُبَّمَا كَانَ عِنْدَ فَسَادِ الْهَوَاءِ أَقَلَّ مِمَّا يَكُونُ عِنْدَ اعْتِدَالِهِ، وَمِنْهَا أَنَّ فَسَادَ الْهَوَاءِ يَقْتَضِي تَغْيِيرَ الْأَخْلَاطِ وَكَثْرَةَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ، وَهَذَا يَقْتُلُ بِلَا مَرَضٍ أَوْ بِمَرَضٍ يَسِيرٍ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ فَسَادِ الْهَوَاءِ لَعَمَّ جَمِيعَ الْبَدَنِ بِمُدَاوَمَتِهِ الِاسْتِنْشَاقَ. وَالطَّاعُونُ إنَّمَا يَحْدُثُ فِي جُزْءٍ خَاصٍّ مِنْ الْبَدَنِ لَا يَتَعَدَّاهُ لِغَيْرِهِ، وَلِلُزُومِ دَوَامِهِ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ يَصِحُّ تَارَةً وَيَفْسُدُ أُخْرَى، وَيَأْتِي عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَلَا تَجْرِبَةٍ وَلَا انْتِظَامٍ، فَرُبَّمَا جَاءَ سَنَةً عَلَى سَنَةٍ، وَرُبَّمَا أَبْطَأَ عِدَّةَ سِنِينَ. وَمِنْهَا أَنَّ كُلَّ دَاءٍ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الطَّبِيعِيَّةِ لَهُ دَوَاءٌ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَهَذَا الطَّاعُونُ أَعْيَا الْأَطِبَّاءَ دَوَاؤُهُ حَتَّى سَلَّمَ حُذَّاقُهُمْ أَنَّهُ لَا دَوَاءَ لَهُ، وَلَا دَافِعَ لَهُ إلَّا الَّذِي خَلَقَهُ وَقَدَّرَهُ انْتَهَى.
وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْوَارِدِ وَكَلَامِ الْأَطِبَّاءِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى ظُهُورَ الطَّاعُونِ أَفْسَدَ الْهَوَاءَ، وَجَعَلَهُ مُتَعَفِّنًا، فَتَخْرُجُ بِسَبَبِهِ الْجِنُّ، لِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِهِمْ تَتَبُّعَ الْعُفُونَاتِ، فَيَخْتَلِطُونَ بِالنَّاسِ، فَيَظْهَرُ مِنْهُمْ مَا سُلِّطُوا بِهِ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ (أَوْ) (قَدِمَ لِقَتْلٍ) قِصَاصًا أَوْ غَيْرَهُ فَلِمَرَضٍ مَخُوفٍ، وَأَوْلَى لِظُهُورِ التَّلَفِ وَقُرْبِهِ (أَوْ حَبْسٍ لَهُ)- أَيْ: الْقَتْلِ، أَوْ حُبِسَ (أَوْ) أُسِرَ (عِنْدَ مَنْ عَادَتُهُ الْقَتْلُ) فَكَمَرَضٍ مَخُوفٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَقَّبُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَادَتَهُمْ الْقَتْلُ فَعَطَايَاهُ كَصَحِيحٍ (أَوْ جُرِحَ جُرْحًا مُوحِيًا مَعَ ثَبَاتِ عَقْلِهِ) لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا جُرِحَ سَقَاهُ الطَّبِيبُ لَبَنًا، فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ، فَقَالَ لَهُ الطَّبِيبُ: اعْهَدْ إلَى النَّاسِ، فَعَهِدَ إلَيْهِمْ، وَوَصَّى فَاتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَبُولِ عَهْدِهِ وَوَصِيَّتِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُهُ عَهِدَ إلَى عُمَرَ فَنَفَّذَ عَهْدَهُ، وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ ضَرْبِ ابْنَ مُلْجِمٍ أَوْصَى وَأَمَرَ وَنَهَى، فَلَمْ يُحْكَمْ بِبُطْلَانِ قَوْلِهِ، وَمَعَ عَدَمِ ثَبَاتِ عَقْلِهِ لَا حُكْمَ لِعَطِيَّتِهِ، بَلْ وَلَا لِكَلَامِهِ. (وَحَامِلٌ عِنْدَ مَخَاضِ)- أَيْ: طَلَّقَ- نَصًّا.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ (مَعَ أَلَمٍ حَتَّى تَنْجُوَ) يَعْنِي مِنْ نِفَاسِهَا؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ ضَرْبِ الْمَخَاضِ لَا تَخَافُ الْمَوْتَ، فَأَشْبَهَتْ صَاحِبَ الْمَرَضِ الْمُمْتَدِّ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ صَاحِبُ فِرَاشٍ، فَإِنْ خَرَجَ الْوَلَدُ وَالْمَشِيمَةُ، وَحَصَلَ هُنَاكَ وَرَمٌ أَوْ ضَرَبَانٌ شَدِيدٌ، أَوْ رَأَتْ دَمًا كَثِيرًا فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْجُ بَعْدُ، وَالسَّقْطُ كَالْوَلَدِ التَّامِّ. (وَلَوْ وَضَعَتْ مُضْغَةً) فَعَطَايَاهَا كَعَطَايَا الصَّحِيحِ، إنْ لَمْ يَكُنْ أَلَمٌ (وَ) إنْ كَانَ (ثَمَّ مَرَضٌ) أَوْ أَلَمٌ؛ فَكَمَرَضٍ (مَخُوفٍ) لِلْخَوْفِ الشَّدِيدِ (وَكَمَيِّتٍ) فِي الْحُكْمِ- أَيْ: مِنْ جِهَةِ عَدَمِ نُفُوذِ عَطَايَاهُ وَتَبَرُّعَاتِهِ- لَا مُطْلَقًا فَلَوْ مَاتَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ وَرِثَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَكَلَامِ الْمُوَفَّقِ (مَنْ ذُبِحَ أَوْ أُبِينَتْ) أَيْ: فُصِلَتْ وَأُخْرِجَتْ، لَا إنْ شُقَّتْ وَهِيَ فِي الْبَطْنِ (حُشْوَتُهُ وَهِيَ أَمْعَاؤُهُ) فَلَا يُعْتَدُّ بِكَلَامِهِ (لَا خَرْقَهَا) وَقَطْعَهَا (فَقَطْ) مِنْ غَيْرِ إبَانَةٍ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْمَفْهُومَ (مِنْهُ)- أَيْ: مِنْ قَوْلِهِمْ وَكَمَيِّتٍ مِنْ ذَبْحٍ أَوْ أُبِينَتْ حُشْوَتُهُ- (فَلَا يَرِثُ) مَنْ مَاتَ قَبْلَهُ مِمَّنْ كَانَ يَرِثُهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا (خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ) كَذَا قَالَ. وَعِبَارَتُهُ هُنَا لَا حُكْمَ لِعَطِيَّتِهِ وَلَا لِكَلَامِهِ. وَقَالَ الْمُوَفَّقُ أَيْضًا فِي فَتَاوِيهِ إنْ خَرَجَتْ حُشْوَتُهُ، وَلَمْ تَبِنْ ثُمَّ مَاتَ وَلَدُهُ، وَرِثَهُ، وَإِنْ أُبِينَتْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَرِثُ (لِأَنَّ الْمَوْتَ زُهُوقُ النَّفْسِ وَخُرُوجُ الرُّوحِ، وَلَمْ يُوجَدْ) وَلِأَنَّ الطِّفْلَ يَرِثُ وَيُوَرَّثُ بِمُجَرَّدِ اسْتِهْلَالِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَدُلُّ عَلَى حَيَاةٍ أَثْبَتُ مِنْ حَيَاةِ هَذَا انْتَهَى.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ هَذَا مِنْ الشَّيْخِ أَنَّ مَنْ ذُبِحَ لَيْسَ كَمَيِّتٍ مَعَ بَقَاءِ رُوحِهِ.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَمَنْ ذُبِحَ أَوْ أُبِينَتْ حُشْوَتُهُ فَقَوْلُهُ لَغْوٌ، فَإِنْ خَرَجَتْ حُشْوَتُهُ، وَاشْتَدَّ مَرَضُهُ وَعَقْلُهُ ثَابِتٌ كَعُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَعَطِيَّتُهُ وَتَبَرُّعُهُ. (وَلَوْ عَلَّقَ) إنْسَانٌ (صَحِيحٌ عِتْقَ قِنِّهِ) عَلَى صِفَةٍ كَقُدُومِ زَيْدٍ أَوْ نُزُولِ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ (فَوُجِدَ) شَرْطُهُ الَّذِي عَلَّقَ عَلَيْهِ الْعِتْقَ (فِي مَرَضِهِ) الْمَخُوفِ، وَلَوْ كَانَ وُجُودُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ (فـَ) عِتْقُ الْعَبْدِ، يُعْتَبَرُ (مِنْ ثُلُثِهِ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ وُجُودِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ نُفُوذِ الْعِتْقِ. (وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ وَهَبَ فِي الصِّحَّةِ، وَأَقْبَضَ فِي الْمَرَضِ) لِأَنَّ مِنْ إتْمَامِ صِحَّةِ الْهِبَةِ التَّسْلِيمُ، وَلَمْ يَحْصُلْ إلَّا فِي الْمَرَضِ؛ فَخَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ. (وَلَوْ) اخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ وَصَاحِبُ الْعَطِيَّةِ أَوْ الْعَتِيقُ؛ بِأَنْ (ادَّعَى مُتَّهِبٌ) أَنْ (الْهِبَةَ) أُعْطِيَهَا فِي الصِّحَّةِ فَتَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ (أَوْ) ادَّعَى (مَعْتُوقٌ) صُدُورَ الْعِتْقِ (فِي الصِّحَّةِ) فَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَهُ (فَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ) ذَلِكَ (فـَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهُمْ)- أَيْ: الْوَرَثَةِ- نَقَلَهُ مُهَنَّا فِي الْعِتْقِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى فِي آخِرِ الْعَطِيَّةِ: وَإِنْ كَانَتْ الْعَطِيَّةُ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ، وَاخْتَلَفَ الْوَارِثُ وَالْمُعْطَى فِي مَرَضِ الْمُعْطِي فِي رَأْسِ الشَّهْرِ فَقَوْلُ الْمُعْطَى إنَّ الْمُعْطِيَ كَانَ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَرَضِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ: (وَتَقَدَّمَ عَطِيَّةٌ اجْتَمَعَتْ مَعَ وَصِيَّةٍ، وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا مَعَ عَدَمِ إجَازَةٍ) لَهُمَا قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْعَطِيَّةَ تُقَدَّمُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ لَازِمَةٌ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ، فَقُدِّمَتْ عَلَى الْوَصِيَّةِ كَعَطِيَّةِ الصِّحَّةِ (وَإِنْ لَمْ يَفِ) الثُّلُثُ (بِتَبَرُّعَاتٍ نُجِّزَتْ بُدِئَ بِالْأَوَّلِ) مِنْهَا (فَالْأَوَّلِ مُرَتَّبَةً) لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ الْمُنَجَّزَةَ لَازِمَةٌ فِي حَقِّ الْمُعْطِي، فَإِذَا كَانَتْ خَارِجَةً مِنْ الثُّلُثِ لَزِمَتْ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ، فَلَوْ شَارَكَتْهَا الثَّانِيَةُ لَمَنَعَ ذَلِكَ لُزُومَهَا فِي حَقِّ الْمُعْطِي؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ بَعْضِهَا بِعَطِيَّةٍ أُخْرَى، وَاحْتُرِزَ بِالْمُنَجَّزَةِ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالتَّبَرُّعِ (وَ) إنْ وَقَعَتْ الْعَطَايَا الْمُنَجَّزَةِ (دَفْعَةً) وَاحِدَةً كَمَا لَوْ قَبِلَهَا الْكُلُّ مَعًا، أَوْ وَكَّلُوا وَاحِدًا قَبِلَ لَهُمْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهَا، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ؛ فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَ الْجَمِيعِ (بِالْحِصَصِ) لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ كَغُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ. (وَلَوْ) كَانَتْ التَّبَرُّعَاتُ (عِتْقًا) فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ؛ لِاسْتِحْقَاقِ السَّابِقِ الثُّلُثَ فَلَمْ يَسْقُطْ بِمَا بَعْدَهُ (لَكِنْ إنْ كَانَتْ) التَّبَرُّعَاتُ (كُلُّهَا عِتْقًا أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ، فَكَمَّلْنَا الْعِتْقَ) كُلَّهُ (فِي بَعْضِهِمْ). قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْعِتْقِ تَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (وَإِنْ) قَالَ الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ، إنْ (أَعْتَقْتَ سَعْدًا فَسَعِيدٌ حُرٌّ، ثُمَّ أَعْتَقَ) الْمَرِيضُ (سَعْدًا؛ عَتَقَ سَعِيدٌ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ) لِوُجُودِ الصِّفَةِ. (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) مِنْ الثُّلُثِ (إلَّا أَحَدُهُمَا عَتَقَ سَعْدٌ وَحْدَهُ) وَلَمْ يُقْرَعْ بَيْنَهُمَا؛ لِسَبْقِ عِتْقِ سَعْدٍ. (وَلَوْ رَقَّ بَعْضُ سَعْدٍ لِعَجْزِ الثُّلُثِ) عَنْ قِيمَتِهِ كُلِّهِ (فَاتَ عِتْقُ سَعِيدٍ) لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ (فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ) بَعْدَ إعْتَاقِ سَعْدٍ (مَا يُعْتَقُ بِهِ بَعْضُ سَعِيدٍ عَتَقَ بِقَدْرِهِ)- أَيْ: الثُّلُثِ مِنْ سَعِيدٍ- لِوُجُوبِ شَرْطِ عِتْقِهِ.
(وَ) إنْ قَالَ الْمَرِيضُ (إنْ أَعْتَقْت سَعْدًا فَسَعِيدٌ وَعَمْرٌو حُرَّانِ، ثُمَّ أَعْتَقَ سَعْدًا، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا أَحَدُهُمْ؛ عَتَقَ سَعْدٌ وَحْدَهُ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ (اثْنَانِ أَوْ) خَرَجَ (وَاحِدٌ وَبَعْضُ آخَرَ؛ عَتَقَ سَعْدٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَأَقْرَعَ بَيْنَ سَعِيدٍ وَعَمْرو) فِيمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِإِيقَاعِ عِتْقِهِمَا مَعًا مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمٍ لِوَاحِدٍ عَلَى آخَرَ (وَلَوْ) خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ (اثْنَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ) عَتَقَ سَعْدٌ كَامِلًا بِلَا قُرْعَةٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا)- أَيْ: بَيْنَ سَعِيدٍ وَعَمْرٍو (لِتَكْمِيلِ الْحُرِّيَّةِ فِي أَحَدِهِمَا وَ) حُصُولِ (التَّشْقِيصِ) فِي (الْآخَرِ) لِمَا تَقَدَّمَ،. (وَكَذَا) لَوْ قَالَ مَرِيضٌ: (إنْ أَعْتَقْتَ سَعْدًا فَسَعِيدٌ حُرٌّ) فِي حَالِ إعْتَاقِي؛ فَالْحُكْمُ سَوَاءٌ (أَوْ) قَالَ: إنْ أَعْتَقْت سَعْدًا (فَهُوَ)- أَيْ: سَعْدٌ- (وَعَمْرٌو حُرَّانِ) فِي (حَالِ إعْتَاقِي) فَالْحُكْمُ سَوَاءٌ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ؛ لِجَعْلِهِ عِتْقَ سَعْدٍ شَرْطًا لِعِتْقِ وَحْدِهِ أَوْ مَعَ عَمْرٍو، وَلَوْ رَقَّ بَعْضُ سَعْدٍ لَفَاتَ شَرْطُ عِتْقِهِمَا، فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ فِي الصِّحَّةِ وَوُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي الْمَرَضِ؛ فَالْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْإِعْتَاقِ (وَإِنْ) قَالَ مَرِيضٌ إنْ (تَزَوَّجْتُ فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَزَوَّجَ) فِي مَرَضِهِ (بِفَوْقِ مَهْرِ الْمِثْلِ) (فـَ) الزِّيَادَةُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ (مُحَابَاةً) تُعْتَبَرُ (مِنْ الثُّلُثِ) لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ لَمْ يَفِ) الثُّلُثُ (إلَّا بِهَا)- أَيْ: الْمُحَابَاةِ- (أَوْ الْعَبْدِ قُدِّمَتْ) الْمُحَابَاةُ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ قَبْلَ الْعِتْقِ؛ بِكَوْنِ التَّزْوِيجِ شَرْطًا فِي الْعِتْقِ، فَقَدْ سَبَقَتْ الْعِتْقَ، وَهَذَا فِيمَا إذَا ثَبَتَتْ الْمُحَابَاةُ بِأَنْ لَا تَرِثَ الْمَرْأَةُ الزَّوْجَ، إمَّا لِوُجُودِ مَانِعٍ مِنْ الْإِرْثِ أَوْ لِمُفَارَقَتِهِ إيَّاهَا فِي حَيَاتِهِ، إمَّا بِمَوْتِهَا أَوْ طَلَاقِهَا وَنَحْوِهِ، فَأَمَّا إنْ وَرِثَتْهُ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمُحَابَاةَ لَا تَثْبُتُ لَهَا إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُقَدَّمَ الْعِتْقُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَازِمٌ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى الْإِجَازَةِ، فَيَكُونُ مُتَقَدِّمًا. وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ فِي حَالِ تَزْوِيجِي، فَتَزَوَّجَ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَيَكُونُ الْعِتْقُ سَابِقًا؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ بِتَمَامِ التَّزْوِيجِ وَالْعِتْقُ قَبْلَ تَمَامِهِ، فَيَكُونُ سَابِقًا عَلَى الْمُحَابَاةِ فَيَتَقَدَّمُ لِهَذَا الْمَعْنَى، سِيَّمَا إذَا تَأَكَّدَ بِمَوْتِهِ وَكَوْنِهِ غَيْرَ وَارِثٍ. قَالَهُ فِي الشَّرْحِ.
(وَ) مَا لَزِمَ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِهِ مِنْ حَقٍّ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ وَلَا إسْقَاطُهُ كَ (أُرُوشِ جِنَايَاتِهِ) وَجِنَايَاتِ عَبْدِهِ (وَ) مَا لَزِمَهُ مِنْ (مُعَاوَضَةٍ بِثَمَنٍ مِثْلَ) بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ (أَوْ) كَانَ (بِزَائِدٍ) يَسِيرًا بِحَيْثُ (يَتَغَابَنُ) النَّاسُ (بِهِ)- أَيْ: بِمِثْلِهِ عَادَةً (فَمِنْ رَأْسِ مَالٍ) لِأَنَّهُ يَنْدَرِجُ فِي ثَمَنِ الْمِثْلِ؛ لِوُقُوعِ التَّعَارُفِ بِهِ (وَلَوْ) كَانَتْ مُعَاوَضَتُهُ (مَعَ وَارِثٍ) فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَبَرُّعَ فِيهَا وَلَا تُهْمَةَ (وَإِنْ حَابَا) مَرِيضٌ (وَارِثَهُ؛ بَطَلَتْ) تَصَرُّفَاتُهُ (فِي قَدْرِهَا)- أَيْ: الْمُحَابَاةِ- لِأَنَّهَا كَالْهِبَةِ، وَهِيَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ لِوَارِثٍ بِغَيْرِ إجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ كَالْوَصِيَّةِ، وَهِيَ لِوَارِثٍ بَاطِلَةٌ، فَكَذَا الْمُحَابَاةُ (وَصَحَّتْ) الْمُعَاوَضَةُ (فِي غَيْرِهِ)- أَيْ: غَيْرِ قَدْرِ الْمُحَابَاةِ.
قَالَ شَيْخُنَا: فَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا صَحَّ الْبَيْعُ، وَيُطْلَبُ مِنْهُ بَاقِي الثَّمَنِ (بِقِسْطِهِ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ الْمُحَابَاةُ، وَهِيَ فِي غَيْرِ قَدْرِهَا مَفْقُودَةٌ، فَلَوْ بَاعَ لِوَارِثِهِ شَيْئًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ بِعَشَرَةٍ؛ فَلَمْ يُجِزْ بَاقِي الْوَرَثَةِ؛ صَحَّ بَيْعُ ثُلُثِهِ بِالْعَشَرَةِ وَالثُّلُثَانِ كَعَطِيَّةٍ (وَلَهُ)- أَيْ: الْمُشْتَرِي- (الْفَسْخُ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ فِي حَقِّهِ) فَشُرِحَ لَهُ ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، فَإِنْ فَسَخَ، وَطَلَبَ قَدْرَ الْمُحَابَاةِ، أَوْ طَلَبَ الْإِمْضَاءَ فِي الْكُلِّ وَتَكْمِيلِ حَقِّ الْوَرَثَةِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ (لَا إنْ كَانَ لَهُ)- أَيْ: الْوَارِثِ الْمُشْتَرِي- (شَفِيعٌ، وَأَخَذَهُ) أَيْ: الشِّقْصَ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْمُحَابَاةُ (مِنْ وَارِثٍ) لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ، وَقَدْ وُجِدَ وَحَيْثُ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ؛ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِزَوَالِ الضَّرَرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَسَخَ الْبَيْعَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ مِنْ الشَّفِيعِ. (وَلَوْ حَابَى) الْمَرِيضُ (أَجْنَبِيًّا) بِأَنْ بَاعَهُ شِقْصًا وَحَابَاهُ فِي ثَمَنِهِ، وَخَرَجَتْ الْمُحَابَاةُ مِنْ الثُّلُثِ، أَوْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ (وَشَفِيعُهُ)- أَيْ: الْأَجِيرِ- (وَارِثٌ أَخَذَ بِهَا)- أَيْ: الشُّفْعَةِ- (إنْ لَمْ تَكُنْ حِيلَةٌ) عَلَى مُحَابَاةِ الْوَارِثِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ، وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ لِغَيْرِهِ)- أَيْ: الْوَارِثِ- مُتَعَلِّقٌ بِأَخْذٍ بِهَا عَلَى أَنَّهُ عِلَّةٌ لَهُ، كَمَا لَوْ وَصَّى لِغَرِيمِ وَارِثِهِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ مِنْهَا فِي حَقِّ الْوَارِثِ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ التُّهْمَةِ مِنْ إيصَالِ الْمَالِ إلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِيمَا إذَا أُخِذَ بِالشُّفْعَةِ. (وَإِنْ أَجَرَ) الْمَرِيضُ (نَفْسَهُ وَحَابَا الْمُسْتَأْجِرَ) وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (صَحَّ) الْعَقْدُ (مَجَّانًا)- أَيْ: مِنْ غَيْرِ رَدِّ الْمُسْتَأْجِرِ لِشَيْءٍ مِنْ الْمُدَّةِ أَوْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤْجَرْ نَفْسَهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ شَيْءٌ، بِخِلَافِ عَبِيدِهِ وَبَهَائِمِهِ. (وَيُعْتَبَرُ ثُلُثُهُ)- أَيْ: ثُلُثُ مَالِ الْمُعْطِي فِي الْمَرَضِ- (عِنْدَ مَوْتٍ) لَا عِنْدَ عَطِيَّةٍ أَوْ مُحَابَاةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ عِتْقٍ؛ لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ بِالْوَصِيَّةِ، وَالثُّلُثُ فِي الْوَصِيَّةِ مُعْتَبَرٌ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ لُزُومِهَا وَقَبُولِهَا وَرَدِّهَا؛ فَكَذَلِكَ فِي الْعَطِيَّةِ. (فَلَوْ أَعْتَقَ) مَرِيضٌ (مَا)- أَيْ: عَبْدًا- (لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، ثُمَّ مَلَكَ مَا)- أَيْ: مَالًا- (يُخْرِجُ) الْعَبْدُ (مِنْ ثُلُثِهِ؛ تَبَيَّنَ عِتْقُهُ كُلُّهُ) لِخُرُوجِهِ مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَ الْمَوْتِ (وَإِنْ لَزِمَهُ) بَعْدَ عِتْقِهِ (دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُ) أَيْ: الْعَتِيقُ- (لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ شَيْءٌ) لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَالْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ فِي مَعْنَاهَا بِدَلِيلِ قَوْلِ عَلِيٍّ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ» وَحُكْمُ هِبَتِهِ كَعِتْقِهِ. (وَلَوْ قَضَى) مَرِيضٌ (بَعْضَ غُرَمَائِهِ) دَيْنَهُ (صَحَّ) الْقَضَاءُ (وَفَازَ) الْمَقْضِيُّ (بِهِ)- أَيْ: بِمَا اقْتَضَاهُ- وَلَمْ يَكُنْ لِبَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ فِي مَحَلِّهِ، وَلَيْسَ بِتَبَرُّعٍ، وَلَمْ يُزَاحِمْ الْبَاقُونَ مِنْ الْغُرَمَاءِ الْمَقْضِيَّ، (وَلَوْ لَمْ تَفِ تِرْكَتُهُ) أَيْ: الْمَرِيضِ- (بِبَقِيَّةِ دُيُونِهِ) لِأَنَّهُ أَدَّى وَاجِبًا عَلَيْهِ كَأَدَاءِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ. (وَإِذَا تَبَرَّعَ) الْمَرِيضُ (بِمَالٍ أَوْ عِتْقٍ ثُمَّ أَقَرَّ) بَعْدَ التَّبَرُّعِ (بِدَيْنٍ؛ لَمْ يُبْطَلْ تَبَرُّعٌ وَلَا عِتْقٌ) بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ التَّبَرُّعِ أَوْ الْعِتْقِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ بِالتَّبَرُّعِ فِي الظَّاهِرِ. (وَلَا يُعْتَبَرُ اسْتِيلَادُ) مَرِيضٍ مَرَضًا مَخُوفًا (مِنْ الثُّلُثِ؛ فَإِنَّهُ)- أَيْ: الِاسْتِيلَادُ- (مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِهْلَاكِ فِي مُهُورِ الْأَنْكِحَةِ وَطَيِّبَاتِ الْأَطْعِمَةِ وَنَفَائِسِ الثِّيَابِ وَالتَّدَاوِي) وَدَفْعِ الْحَاجَاتِ، وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَرِيضِ بِالِاسْتِيلَادِ وَنَحْوِهِ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إنْشَائِهِ.
(وَ) قَالَ (فِي الِانْتِصَارِ لَهُ)- أَيْ: الْمَرِيضِ- (لُبْسُ نَاعِمٍ وَأَكْلُ طَيِّبٍ لِحَاجَتِهِ) إلَيْهِ (وَإِنْ فَعَلَهُ)- أَيْ: مَا ذَكَرَ- (لِتَفْوِيتِ) حَقِّ (الْوَرَثَةِ؛ مُنِعَ) إلَّا بِقَدْرِ حَاجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَدْرِكُ كَإِتْلَافِهِ. (تَنْبِيهٌ) حُكْمُ الْعَطِيَّةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ فِي أَشْيَاءَ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْهَا أَنَّهُ يَقِفُ نُفُوذُهَا عَلَى خُرُوجِهَا مِنْ الثُّلُثِ أَوْ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَمِنْهَا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِوَارِثٍ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَمِنْهَا أَنَّ فَضِيلَتَهَا نَاقِصَةٌ عَنْ فَضِيلَةِ الصَّدَقَةِ فِي الصِّحَّةِ وَمِنْهَا أَنَّهَا تَتَزَاحَمُ فِي الثُّلُثِ إذَا وَقَعَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً كَتَزَاحُمِ الْوَصَايَا. وَمِنْهَا أَنَّ خُرُوجَهَا مِنْ الثُّلُثِ يُعْتَبَرُ حَالَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ. وَ(تُفَارِقُ الْعَطِيَّةُ) فِي الْمَرَضِ (الْوَصِيَّةَ فِي أَرْبَعَةِ) أَحْكَامٍ. أَحَدُهَا: (أَنْ يُبْدَأَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ مِنْهَا)- أَيْ: الْعَطَايَا- لِوُقُوعِهَا لَازِمَةً (وَالْوَصِيَّةُ يُسَوَّى بَيْنَ مُتَقَدِّمِهَا وَمُتَأَخِّرِهَا) لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَوُجِدَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً. (وَمِنْهَا)- أَيْ: الْوَصِيَّةِ- (كُلُّ مَا)- أَيْ: شَيْءٍ- (عُلِّقَ بِمَوْتٍ كَ) قَوْلِ الْمَرِيضِ: (إذَا مِتُّ فَأَعْطُوا فُلَانًا كَذَا) مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ غَيْرِهَا (أَوْ أَعْتِقُوا) رَفِيقِي (فُلَانًا) أَوْ أَمَتِي فُلَانَةَ (وَنَحْوَهُ) كَأَوْقِفُوا دَارِي وَنَحْوَهَا أَوْ أَسْكِنُوا فُلَانًا بِهَا سَنَةً. (الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رُجُوعٌ فِي عَطِيَّةٍ قُبِضَتْ) لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ فِي حَقِّ الْمُعْطِي وَإِنْ كَثُرَتْ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ إنَّمَا كَانَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، لَا لِحَقِّهِ، فَلَا يَمْلِكُ إجَازَتَهَا وَلَا رَدَّهَا (بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهَا؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ بِهَا مَشْرُوطٌ بِالْمَوْتِ، فَقَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يُوجَدْ؛ فَهِيَ كَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبُولِ، بِخِلَافِ الْعَطِيَّةِ فِي الْمَرَضِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ وُجِدَتْ الْعَطِيَّةُ مِنْهُ وَالْقَبُولُ وَالْقَبْضُ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ؛ فَلَزِمَتْ كَالْوَصِيَّةِ إذَا قُبِلَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقُبِضَتْ. (الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَبُولُ عَطِيَّةٍ عِنْدَهَا) لِأَنَّهَا تَصَرُّفٌ فِي الْحَالِ فَيُعْتَبَرُ شُرُوطُهُ وَقْتَ وُجُودِهِ (وَالْوَصِيَّةُ بِخِلَافِهِ) لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَاعْتُبِرَ عِنْدَ وُجُودِهِ؛ إذْ لَا حُكْمَ لِقَبُولِهَا وَلَا رَدِّهَا قَبْلَهُ. (الرَّابِعُ: أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِي عَطِيَّتِهِ) مِنْ حِينِ وُجُودِهَا بِشُرُوطِهَا؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ هِبَةً فَمُقْتَضَاهَا تَمْلِيكُهُ الْمَوْهُوبَ فِي الْحَالِ كَعَطِيَّةِ الصِّحَّةِ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ مُحَابَاةً أَوْ إعْتَاقًا، وَيَكُونُ هَذَا الثُّبُوتُ (مُرَاعًى) لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ هَلْ هَذَا مَرَضُ الْمَوْتِ أَوْ لَا؟ وَلَا نَعْلَمُ هَلْ يَسْتَفِيدُ مَالًا أَوْ يُتْلِفُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ؟ فَتَوَقَّفْنَا لِنَعْلَمَ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ لِنَعْمَلَ بِهَا، (فَإِذَا) مَاتَ وَ(خَرَجَتْ) الْعَطِيَّةُ (مِنْ ثُلُثِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ تَبْيِنًا أَنَّهُ)- أَيْ: الْمِلْكَ- (كَانَ ثَابِتًا) مِنْ حِينِ الْإِعْطَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ ثُبُوتِهِ كَوْنُهُ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ.
تَتِمَّةٌ:
تُخَالِفُ الْعَطِيَّةُ الْوَصِيَّةَ أَيْضًا فِي أَنَّهَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ إلَّا الْعِتْقُ.